سورة النمل - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النمل)


        


{قَالَ سَنَنظُرُ} سنعرف من النظر بمعنى التأمل. {أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الكاذبين} أي أم كذبت والتغيير للمبالغة ومحافظة الفواصل.
{اذهب بّكِتَابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} ثم تنح عنهم إلى مكان قريب تتوارى فيه. {فانظر مَاذَا يَرْجِعُونَ} ما يرجع بعضهم إلى بعض من القول.
{قَالَتْ} أي بعد ما ألقى إليها. {يا أيها الملأ إِنّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} لكرم مضمونه أو مرسله، أو لأنه كان مختوماً أو لغرابة شأنه إذ كانت مستلقية في بيت مغلقة الأبواب فدخل الهدهد من كوة وألقاه على نحرها بحيث لم تشعر به.
{إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ} استئناف كأنه قيل لها ممن هو وما هو فقالت إنه، أي إن الكتاب أو العنوان من سليمان {وَإِنَّهُ} أي وإن المكتوب أو المضمون. وقرئ بالفتح على الإِبدال من {كِتَابٌ} أو التعليل لكرمه. {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم}.
{أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ} أن مفسرة أو مصدرية فتكون بصلتها خبر محذوف أي هو أو المقصود أن لا تعلوا أو بدل من {كِتَابٌ}. {وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ} مؤمنين أو منقادين، وهذا كلام في غاية الوجازة مع كمال الدلالة على المقصود، لاشتماله على البسملة الدالة على ذات الصانع تعالى وصفاته صريحاً أو التزاماً، والنهي عن الترفع الذي هو أم الرذائل والأمر بالإِسلام الجامع لأمهات الفضائل، وليس الأمر فيه بالانقياد قبل إقامة الحجة على رسالته حتى يكون استدعاء للتقليد فإن إلقاء الكتاب إليها على تلك الحالة من أعظم الدلالة.
{قَالَتْ يا أيها الملأ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي} أجيبوني في أمري الفتي واذكروا ما تستصوبون فيه. {مَا كُنتُ قاطعة أَمْراً} ما أبت أمراً. {حتى تَشْهَدُونِ} إلا بمحضركم استعطفتهم بذلك ليمالئوها على الإِجابة.
{قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُواْ قُوَّةٍ} بالأجساد والعدد. {وَأُوْلُواْ بَأْسٍ شَدِيدٍ} نجدة وشجاعة. {والأمر إِلَيْكِ} موكول. {فانظرى مَاذَا تَأْمُرِينَ} من المقاتلة أو الصلح نطعك ونتبع رأيك.
{قَالَتْ إِنَّ الملوك إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً} عنوة وغلبة. {أَفْسَدُوهَا} تزييف لما أحست منهم من الميل إلى المقاتلة بادعائهم القوى الذاتية والعرضية، وإشعار بأنها ترى الصلح مخافة أن يتخطى سليمان خططهم فيسرع إلى إفساد ما يصادفه من أموالهم وعماراتهم، ثم أن الحرب سجال لا تدري عاقبتها. {وَجَعَلُواْ أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً} بنهب أموالهم وتخريب ديارهم إلى غير ذلك من الإِهانة والأسر. {وكذلك يَفْعَلُونَ} تأكيد لما وصفت من حالهم وتقرير بأن ذلك من عاداتهم الثابتة المستمرة، أو تصديق لها من الله عز وجل.
{وَإِنّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ} بيان لما ترى تقديمه في المصالحة، والمعنى إني مرسلة رسلاً بهدية أدفعه بها عن ملكي. {فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المرسلون} من حاله حتى أعمل بحسب ذلك.
روي أنها بعثت منذر بن عمرو في وفد وأرسلت معهم غلماناً على زي الجواري وجواري على زي الغلمان، وحُقاً فيه درة عذراء وجزعة معوجة الثقب وقالت: إن كان نبياً ميز بين الغلمان والجواري وثقب الدرة ثقباً مستوياً وسلك في الخرزة خيطاً، فلما وصلوا إلى معسكره ورأوا عظمة شأنه تقاصرت إليهم نفوسهم، فلما وقفوا بين يديه وقد سبقهم جبريل بالحال فطلب الحق وأخبر عما فيه، فأمر الأرضة فأخذت شعرة ونفذت في الدرة وأمر دودة بيضاء فأخذت الخيط ونفذت في الجزعة، ودعا بالماء فكانت الجارية تأخذ الماء بيدها فتجعله في الأخرى ثم تضرب به وجهها والغلام كما يأخذه يضرب به وجهه ثم رد الهدية.
{فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ} أي الرسول أو ما أهدت إليه وقرئ: {فلما جاؤوا}. {قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ} خطاب للرسول ومن معه، أو للرسول والمرسل على تغليب المخاطب. وقرأ حمزة ويعقوب بالإِدغام وقرئ بنون واحدة وبنونين وحذف الياء. {فَمَا ءاتانى الله} من النبوة والملك الذي لا مزيد عليه، وقرأ نافع وأبو عمرو وحفص بفتح الياء والباقون بإسكانها وبإمالتها. الكسائي وحده. {خَيْرٌ مّمَّا ءاتاكم} فلا حاجة لي إلى هديتكم ولا وقع لها عندي. {بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} لأنكم لا تعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا فتفرحون بما يهدى إليكم حباً لزيادة أموالكم، أو بما تهدونه افتخاراً على أمثالكم، والإِضراب عن إنكار الإِمداد بالمال عليه وتقليله إلى بيان السبب الذي حملهم عليه، وهو قياس حاله على حالهم في قصور الهمة بالدنيا والزيادة فيها.
{اْرجِعِ} أيها الرسول. {إِلَيْهِمُ} إلى بلقيس وقومها. {فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا} لا طاقة لهم بمقاومتها ولا قدرة لهم على مقابلتها وقرئ: {بهم}. {وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا} من سبأ. {أَذِلَّةً} بذهاب ما كانوا فيه من العز. {وَهُمْ صاغرون} أسراء مهانون.


{قَالَ يا أيها الملأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا} أراد بذلك أن يريها بعض ما خصه الله تعالى به من العجائب الدالة على عظم القدرة وصدقه في دعوى النبوة، ويختبر عقلها بأن ينكر عرشها فينظر أتعرفه أم تنكره؟. {قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ} فإنها إذا أتت مسلمة لم يحل أخذه إلا برضاها.
{قَالَ عِفْرِيتٌ} خبيث مارد. {مّن الجن} بيان له لأنه يقال للرجل الخبيث المنكر المعفر أقرانه، وكان اسمه ذكوان أو صخراً. {أَنَاْ ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} من مجلسك للحكومة وكان يجلس إلى نصف النهار. {وَإِنِّي عَلَيْهِ} على حمله. {لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} لا أختزل منه شيئاً ولا أبدله.
{قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الكتاب} آصف بن برخيا وزيره، أو الخضر أو جبريل عليهما السلام أو ملك أيده الله به، أو سليمان عليه السلام نفسه فيكون التعبير عنه بذلك للدلالة على شرف العلم وأن هذه الكرامة كانت بسببه والخطاب في: {أَنَاْ ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} للعفريت كأنه استبطأه فقال له ذلك، أو أراد إظهار معجزة في نقله فتحداهم أولاً ثم أراهم أنه يتأتى له مالاً يتأتى لعفاريت الجن فضلاً عن غيرهم، والمراد ب {الكتاب} جنس الكتب المنزلة أو اللوح، و{ءَاتِيكَ} في الموضعين صالح للفعلية والاسمية، (والطرف) تحريك الأجفان للنظر فوضع موضعه ولما كان الناظر يوصف بإرسال الطرف كما في قوله:
وَكُنْت إِذَا أَرْسَلْت طَرْفَكَ رَائِدا *** لِقَلْبِكَ يَوْماً أَتْعَبَتْكَ المَنَاظِرُ
وصف برد الطرف والطرف بالارتداد، والمعنى أنك ترسل طرفك نحو شيء فقبل أن ترده أحضر عرشها بين يديك، وهذا غاية في الإِسراع ومثل فيه. {فَلَمَّا رَءَاهُ} أي العرش {مُسْتَقِرّاً عِندَهُ} حاصلاً بين يديه. {قَالَ} تلقياً للنعمة بالشكر على شاكلة المخلصين من عباد الله تعالى: {هذا مِن فَضْلِ رَبّي} تفضل به عليَّ من غير استحقاق، والإِشارة إلى التمكن من إحضار العرش في مدة إرتداد الطرف من مسيرة شهرين بنفسه أو غيره، والكلام في إمكان مثله قد مر في آية (الإِسراء). {لِيَبْلُوَنِى ءَأَشْكُرُ} بأن أراه فضلاً من الله تعالى بلا حول مني ولا قوة وأقوم بحقه. {أَمْ أَكْفُرُ} بأن أجد نفسي في البين، أو أقصر في أداء مواجبه ومحلها النصب على البدل من الياء. {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} لأنه به يستجلب لها دوام النعمة ومزيدها ويحط عنها عبء الواجب ويحفظها عن وصمة الكفران. {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبّي غَنِيٌّ} عن شكره. {كَرِيمٌ} بالإنعام عليه ثانياً.
{قَالَ نَكّرُواْ لَهَا عَرْشَهَا} بتغيير هيئته وشكله. {نَنظُرْ} جواب الأمر، وقرئ بالرفع على الاستئناف. {أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الذين لاَ يَهْتَدُونَ} إلى معرفته أو الجواب الصواب، وقيل إلى الإِيمان بالله ورسوله إذا رأت تقدم عرشها وقد خلفته مغلقة عليه الأبواب موكلة عليها الحراس.
{فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ} تشبيهاً عليها زيادة في امتحان عقلها إذ ذكرت عنده بسخافة العقل. {قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} ولم تقل هو لاحتمال أن يكون مثله وذلك من كمال عقلها. {وَأُوتِينَا العلم مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} من تتمة كلامها كأنها ظنت أنه أراد بذلك اختبار عقلها وإظهار معجزة لها فقالت: وأوتينا العلم بكمال قدرة الله وصحة نبوتك قبل هذه الحالة، أو المعجزة مما تقدم من الآيات. وقيل إنه من كلام سليمان عليه السلام وقومه وعطفوه على جوابها لما فيه من الدلالة على إيمانها بالله ورسوله حيث جوزت أن يكون ذلك عرشها تجويزاً غالباً، وإحضار ثمة من المعجزات التي لا يقدر عليها غير الله تعالى ولا تظهر إلا على يد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أي وأوتينا العلم بالله وقدرته وصحة ما جاء به عنده قبلها وكنا منقادين لحكمه ولم نزل على دينه، ويكون غرضهم فيه التحدث بما أنعم الله عليهم من التقدم في ذلك شكر الله تعالى.
{وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ الله} أي وصدها عبادتها الشمس عن التقدم إلى الإِسلام، أو وصدها الله عن عبادتها بالتوفيق للإِيمان. {إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كافرين} وقرئ بالفتح على الإِبدال من فاعل صدها على الأول، أي صدها نشؤها بين أظهر الكفار أو التعليل له.
{قِيلَ لَهَا ادخلي الصرح} القصر وقيل عرصة الدار. {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا} روي أنه أمر قبل قدومها ببناء قصر صحنه من الزجاج أبيض وأجرى من تحته الماء وألقى فيه حيوانات البحر ووضع سريره في صدره فجلس عليه، فلما أبصرته ظنته ماء راكداً فكشفت عن ساقيها. وقرأ ابن كثير برواية قنبل {سأقيها} بالهمز حملاً على جمعه سؤوق وأسؤق. {قَالَ إِنَّهُ} إن ما تظنينه ماء. {صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ} مملس. {مّن قَوارِيرَ} من الزجاج.
{قَالَتْ رَبّ إِنّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} بعبادتي الشمس، وقيل بظني بسليمان فإنها حسبت أنه يغرقها في اللجة. {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سليمان لِلَّهِ رَبّ العالمين} فيما أمر به عباده وقد، اختلف في أنه تزوجها أو زوجها من ذي تبع ملك همدان.


{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحا أَنِ اعبدوا الله} بأن اعبدوا الله، وقرئ بضم النون على اتباعها الباء. {فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ} ففاجئوا التفرق والاختصام فآمن فريق وكفر فريق، والواو لمجموع الفريقين.
{قَالَ يَا قَوْمٍ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بالسيئة} بالعقوبة فتقولون ائتنا بما تعدنا. {قَبْلَ الحسنة} قبل التوبة فتؤخرونها إلى نزول العقاب فإنهم كانوا يقولون إن صدق إيعاده تبنا حينئذ. {لَوْلاَ تَسْتَغْفِرُونَ الله} قبل نزوله. {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} بقبولها فإنها لا تقبل حينئذ.
{قَالُواْ اطيرنا} تشاءمنا. {بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ} إِذ تتابعت علينا الشدائد، أو وقع بيننا الافتراق منذ اخترعتم دينكم. {قَالَ طَائِرُكُمْ} سببكم الذي جاء منه شركم. {عَندَ الله} وهو قدره أو عملكم المكتوب عنده. {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ} تختبرون بتعاقب السراء والضراء، والإِضراب من بيان طائرهم الذي هو مبدأ ما يحيق بهم إلى ذكر ما هو الداعي إليه.
{وَكَانَ فِي المدينة تِسْعَةُ رَهْطٍ} تسعة أنفس، وإنما تمييزاً للتسعة باعتبار المعنى، والفرق بينه وبين النفر أنه من الثلاثة أو السبعة إلى العشرة، والنفر من الثلاثة إلى التسعة. {يُفْسِدُونَ فِي الأرض وَلاَ يُصْلِحُونَ} أي شأنهم الإِفساد الخالص عن شوب الصلاح.
{قَالُواْ} أي قال بعضهم لبعض. {تَقَاسَمُواْ بالله} أمر مقول أو خبر وقع بدلاً أو حالاً بإضمار قد. {لَنُبَيّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} لنباغتن صالحاً وأهله ليلاً. وقرأ حمزة والكسائي بالتاء على خطاب بعضهم لبعض، وقرئ بالياء على أن تقاسموا خبر. {ثُمَّ لَنَقُولَنَّ} فيه القراءات الثلاث. {لِوَلِيِّهِ} لولي دمه. {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} فضلاً أن تولينا إهلاكهم، وهو يحتمل المصدر والزمان والمكان وكذا {مُهْلِكَ} في قراءة حفص فإن مفعلاً قد جاء مصدراً كمرجع. وقرأ أبو بكر بالفتح فيكون مصدراً. {وِإِنَّا لصادقون} ونحلف إنا لصادقون، أو والحال {إِنَّا لصادقون} فيما ذكرنا لأن الشاهد للشيء غير المباشر له عرفاً، أو لأنا ما شهدنا مهلكهم وحده بل مهلكه ومهلكهم كقولك ما رأيت ثمة رجلاً بل رجلين.
{وَمَكَرُواْ مَكْراً} بهذه المواضعة. {وَمَكَرْنَا مَكْراً} بأن جعلناها سبباً لإِهلاكهم. {وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} بذلك، روي أنه كان لصالح في الحجر مسجد في شعب يصلي فيه فقالوا: زعم أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنفرغ منه ومن أهله قبل الثلاث، فذهبوا إلى الشعب ليقتلوه، فوقع عليهم صخرة حيالهم فطبقت عليهم فم الشعب فهلكوا ثمة وهلك الباقون في أماكنهم بالصيحة كما أشار إليه قوله: {فانظر كَيْفَ كَانَ عاقبة مَكْرِهِمْ أَنَّا دمرناهم وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} و{كَانَ} إن جعلت ناقصة فخبرها {كَيْفَ} و{أَنَّا دمرناهم} استئناف أو خبر محذوف لا خبر {كَانَ} لعدم العائد، وإن جعلتها تامة ف {كَيْفَ} حال. وقرأ الكوفيون ويعقوب {أَنَّا دمرناهم} بالفتح على أنه خبر محذوف أو بدل من اسم {كَانَ} أو خبر له و{كَيْفَ} حال.
{فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} خالية من خوى البطن إذا خلا، أو ساقطة منهدمة من خوى النجم إذا سقط، وهي حال عمل فيها معنى الإِشارة. وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف. {بِمَا ظَلَمُواْ} بسبب ظلمهم. {إِنَّ فِى ذلك لآيَةً لّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} فيتعظون.
{وَأَنجَيْنَا الذين ءَامَنُواْ} صالحاً ومن معه. {وَكَانُواْ يَتَّقُونَ} الكفر والمعاصي فلذلك خصوا بالنجاة.
{وَلُوطاً} واذكر لوطاً، أو وأرسلنا لوطاً لدلالة ولقد أرسلنا عليه. {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} بدل على الأول وظرف على الثاني. {أَتَأْتُونَ الفاحشة وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ} تعلمون فحشها من بصر القلب واقتراف القبائح من العالم بقبحها أقبح، أو يبصرها بعضكم من بعض لأنهم كانوا يعلنون بها فتكون أفحش.
{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال شَهْوَةً} بيان لإتيانهم الفاحشة وتعليله بالشهوة للدلالة على قبحه، والتنبيه على أن الحكمة في المواقعة طلب النسل لاقضاء الوطر. {مّن دُونِ النساء} اللاتي خلقن لذلك. {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} تفعلون فعل من يجهل قبحها، أو يكون سفيهاً لا يميز بين الحسن والقبيح، أو تجهلون العاقبة والتاء فيه لكون الموصوف به في معنى المخاطب.
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ ءَالَ لُوطٍ مّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} أي يتنزهون عن أفعالنا، أو عن الأقذار ويعدون فعلنا قذراً.
{فأنجيناه وَأَهْلَهُ إِلاَّ امرأته قدرناها مِنَ الغابرين} قدرنا كونها من الباقين في العذاب.
{وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَراً فَسَاء مَطَرُ المنذرين} مر مثله.
{قُلِ الحمد لِلَّهِ وسلام على عِبَادِهِ الذين اصطفى} أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بعدما قص عليه القصص الدالة على كمال قدرته وعظم شأنه وما خص به رسله من الآيات الكبرى والانتصار من العدا بتحميده والسلام على المصطفين من عباده شكراً على ما أنعم عليهم، أو علمه ما جهل من أحوالهم وعرفاناً لفضلهم وحق تقدمهم واجتهادهم في الدين، أو لوطاً بأن يحمده على هلاك كفرة قومه ويسلم على من اصطفاه بالعصمة من الفواحش والنجاة من الهلاك. {الله خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} إلزام لهم وتهكم بهم وتسفيه لرأيهم، إذ من المعلوم أن لا خير فيما أشركوه رأساً حتى يوازن بينه وبين من هو مبدأ كل خير. وقرأ أبو عمرو وعاصم ويعقوب بالتاء.
{أَمَّن} بل أمن. {خَلَقَ السموات والأرض} التي هي أصول الكائنات ومبادئ المنافع. وقرأ أمن بالتخفيف على أنه بدل من الله. {وَأَنزَلَ لَكُمْ} لأجلكم. {مِّنَ السماء مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ} عدل به من الغيبة إلى التكلم لتأكيد اختصاص الفعل بذاته، والتنبيه على أن إنبات الحدائق البهية المختلفة الأنواع المتباعدة الطباع من المواد المتشابهة لا يقدر عليه غيره كما أشار إليه بقوله: {مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا} شجر الحدائق وهي البساتين من الإحداق وهو الإِحاطة. {أَءِلَهٌ مَّعَ الله} أغيره يقرن به ويجعل له شريكاً، وهو المنفرد بالخلق والتكوين. وقرئ: {أإلهاً} بإضمار فعل مثل أتدعون أو أتشركون وبتوسيط مدة بين الهمزتين وإخراج الثانية بين بين. {بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} عن الحق الذي هو التوحيد.

1 | 2 | 3